جدوى الكتابة والوضع الراهن

نشر في:

  • أسوار برس

كتب: صلاح هنية:

شاركت في الجلسة الأولى من برنامج "حوار في المعنى" الذي تنظمه بلدية رام الله ضمن نشاطات مكتبة بلدية رام الله العامة واستمتعت بما نوقش، والذي استوقفني هو السؤال حول "جدوى الكتابة"، "لماذا نكتب" وكان النقاش حوله ثريا، منهم من قال: أول مخطوطة كتبتها كنت أطن أنني سأساهم بتغير العالم، وآخر قال: ظننت أنني سأؤثر على قطاع واسع في التغير، وهناك من يكتب لأنه يريد أن يخرج مكنونات نفسه.
هذا الحوار جعلني أتوقف أمام مسؤوليتي ككاتب مقال أسبوعي قد يرتقي لمستوى أو لا يرتقي، ولكنني حتما اعتقد كما يعتقد الآخرون "أريد إحداث تغير محدود في نطاق محدود وليس العالم طبعا (نعم) أريد إيصال رسالة متخصصة نوعا ما في قضايا اقتصادية ومالية واجتماعية (أريد) أن أكون مساهما في تطوير الأداء المؤسسي".
هنا اقف بمسؤولية أمام الوضع الراهن الذي نمر به. الشهداء بالعشرات، الإجراءات الاحتلالية الاستيطانية ضد أبناء شعبنا، بصورة ضربت هيبة الحديث عن حل الدولتين وعن المفاوضات أو حتى لقاءات لهدف اللقاءات، الناس، اليوم، ليسوا هم ذات الناس وباروميتر الرأي العام، اليوم، مختلف تماما، إذ نقف، اليوم، أمام مزاج صعب لا يرى إلا افتتاح نهاره بكوكبة شهداء ووسط نهاره هدم بيوت وليله اجتياحات وتنكيل.
يتساءل الرأي العام بمسؤولية وطنية عالية "عن جدوى الذهاب إلى شرم الشيخ للقاء أميركي فلسطيني إسرائيلي؟" في ظل هذه الظروف القائمة التي تطال من صمودنا ومستقبلنا، وقد يبدو غير مفيد الحديث الآن عن ضرورة تمترس الموقف الفلسطيني ــ إذا بقي هناك موقف أو أن هناك إطارا مؤسسيا فلسطينيا يصنع الموقف ــ، تمترس برفض أي لقاء دون ضمان مخرجات ملزمة تحمي الشعب الفلسطيني وتعاقب الاحتلال على جرائمه، ولكن ذهبوا إلى العقبة، وها هم سيذهبون إلى شرم الشيخ دون ضمانات أو تعهدات.
الناس، اليوم، لسان حالهم بمسؤولية وطنية عالية يقولون: "ماذا بعد؟" لا تعليم، لا صحة، لا حوار اجتماعيا، لا تنمية، لا وحدة موقف، لا عناية بالشباب، لا توجه حقيقيا تجاه المرأة والطفل، العمال في واد وبقية البلد في واد، حقوق المستهلك في تراجع، غلاء فاحش لا يطاق، ارتفاعات بالأسعار وتصرون أنها عالمية ودخلنا يتآكل ومستوى حياتنا يتراجع، إذاً، ما جدوى هذا السؤال الذي نتلهى فيه لنظن انفسنا أننا أصحاب رؤيا ولكن أحدا لا يستطيع الإجابة عن السؤال بالمطلق.
مؤسف ألا تمتلك الحكومة وثيقة واضحة المعالم تقول: "إلى أين تأخذنا؟" على الأقل هناك حكومة سابقة للسابقة كانت تخط وثائق عن "إقامة الدولة الفلسطينية ومؤسسات الدولة" وهناك من رأى فيها حلما مستحيلا وبعضهم رؤوا فيها تجاوزا لمنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل، اليوم، ننتظر وثيقة من الحكومة ذات إجماع وطني أو قابلة للإجماع عليها، حتما الحكومة وأركانها قادرون على صياغتها ولكن العجيب أنها غائبة.
البلد، اليوم، تبحث عن بوصلة ليس لأنها ضلت الطريق بل لأنها تعرف طريقها حتما ولكنها تريد طليعة قادرة على خط الطريق للبلد، بالتأكيد ليس طريق ابر المخدر التي تطول ولا تصل بل طريق الوحدة الوطنية الشعبية الشاملة، طريق الأمل وصناعة الأمل، طريق صيانة المسيرة التعليمية، ومسيرة الحركة العمالية والنقابية، مسيرة محاربة الغلاء الفاحش وتآكل الدخل، مسيرة المقاومة الشعبية، تعظيم عوامل الصمود.
باختصار الناس، اليوم، يفيقون ليسمعوا خبرا عاجلا عن الشهداء والجرحى والأسرى، يتابعون أحوال الطرق وحواجز الاحتلال، يبحثون عن بصيص أمل، يريدون أن يروا نتاج وعود التنمية والانتعاش الاقتصادي، يريدون علاجا وسكنا وتعليما وبناء أسرة، ولكن عيونهم صوب حقوقهم الوطنية دون خفض سقف التوقعات ولا رفع سقف التوقعات.
اليوم، بات ملحا إشاعة الديمقراطية والتعددية وحق الانتخاب كمكون من مكونات الديمقراطية، إفساح المجال أمام الشباب وعدم ترك خلل التركيبة أن من هم فوق الـ 60 عاما يشكلون 4% بينما هم يقودون جيل الشباب الذي يشكل 45% ولا يحق لهم الاختيار ولا الانتخاب ولا الانضباط في أطر قادرة على التأثير والتغير وتسليك قنوات التأثير على صناعة القرار.

كلمات دلالية